قضايا المجتمع العربي ومشكلاته

تأتي قضايا المجتمع العربي الراهن ومشكلاته وتحدياته نتاجا لتفاعل بعدين أساسيين، يتمثل أولهما بالصراعات الاقتصادية الدولية حول مصادر الطاقة ومنافذ التسويق، ويتجسد الثاني في الخصائص البنيوية، الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية التي تصف المجتمع العربي وتميزه عن المجتمعات الأخرى، ففي الوقت الذي تشكل فيه الصراعات الاقتصادية الدولية تحديات كبرى أمام البنى الاقتصادية والاجتماعية العربية، فإن استجابة المجتمع لهذه التحديات تأتي منسجمة مع خصائصه وخصوصياته التاريخية والحضارية، وليس من اليسير تناول قضايا المجتمع العربي ومشكلاته في المرحلة الراهنة بمعزل عما يحيط به من تحديات، أو بمعزل عن الخصائص التي تصف بناه الداخلية على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية والحضارية منها.
ففي سياق الصراعات السياسية ذات المضمون الاقتصادي بين القوى الفاعلة على المستويين الإقليمي والدولي تدور هذه الصراعات حول قضيتين أساسيتين هما السيطرة على مصادر الطاقة والتحكم بها من جهة، والسيطرة على مجالات التسويق التجاري للسلع والمنتجات الصناعية من جهة ثانية، وهما الأمران اللذان يحكمان موقف الدول الصناعية من المجتمع العربي وقضاياه منذ زمن طويل، وهو الأمر الذي يتجلى بوضوح منذ بدايات القرن العشرين، وكان من العوامل الأساسية التي أدت إلى نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهو يشكل مضمون الحرب الباردة طيلة النصف الثاني من القرن العشرين، وعلى الرغم من أن مضمون الصراعات الدولية مازال  قائما كما كان عليه في الماضي، غير أن طبيعة القوى الاقتصادية والسياسية الفاعلة فيها اختلفت عما كانت عليه، فصورة العالم مع بدايات القرن العشرين تختلف كليا عن صورته في الوقت الراهن، ولكن مضمونها واحد لا يختلف، وعلى قدر ما كانت التحديات الخارجية مصدر مشكلات اقتصادية واجتماعية عديدة جابهت المجتمع العربي آنذاك، فإنها تشكل اليوم مصدر مشكلات اقتصادية واجتماعية في الداخل لاتقل في خطورتها عما كانت عليه في الماضي، وتأتي استجابة المجتمع لها تبعا لما يتصف به من خصائص وسمات تميزه.
وعلى طرف آخر، تظهر خصائص المجتمع العربي وسماته في أشكال استجابته للتحديات المحيطة به على المستويين الإقليمي والدولي، وتبدو فيها العلاقات العربية البينية على قدر كبير من التناقض والتباين الذي يزداد في حجمه وأخطاره منذ نهايات مرحلة الاحتلال العثماني للوطن العربي، وهي اليوم في أصعب مراحلها التاريخية، بعد أن تم استقطابها في محاور الصراعات الدولية السائدة على المستوى العالمي، الأمر الذي يسهم مرة أخرى في تعزيز مظاهر التشتت والفرقة والتباعد بين مكونات الوطن الواحد.
     إن البيئة الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تسود العالم المعاصر بما تنطوي عليه من صراعات وأطماع في السيطرة ومد النفوذ وتحقيق المنافع لمراكز القوى المسيطرة تشكل الأساس الموضوعي لقضايا المجتمع العربي ومشكلاته، وليس من اليسير فصل أية قضية من قضايا المجتمع الداخلية عن البيئة الحاضنة لها على المستوى الدولي، بدءاً من القضايا الاجتماعية للأسرة وعلاقات الأبناء مع بعضهم والروابط القرابية المتعددة، في محيط الحي والقبيلة والعشيرة، وحتى قضايا التدين وبناء المنظومة الدينية، وعلاقات رجال الدين بالدولة والمجتمع، وانتهاء بقضايا الدولة وتنظيماتها ومصادر قوتها، وتحالفاتها مع مراكز القوى العالمية، ذلك أن البنية الداخلية لأي تنظيم عضوي أو اجتماعي لابد أن تحمل خصائص البيئة التي تحتضنها وتمدها بمقومات وجودها المادية والنفسية والاجتماعية، وخاصة في سياق بحثها الدائم عن مقومات استمرارها والمحافظة على وجودها، والحد من الأخطار التي تهددها.
(المادية العلمية بتنسيق  PDF)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق