إصلاح الأحداث وإعادة تأهيلهم

يهدف مقرر تأهيل الأحداث إلى تمكين الطلبة من التعرف على الطرق والوسائل التي يمكن للباحثين والمختصين في العلوم الاجتماعية من تأهيل الأحداث الجانحين الذين تم إيقافهم في المؤسسات الإصلاحية لذنب ارتكبوه، أو انحراف مارسوه في حياتهم، وقد يعتادون عليه بفعل طبيعة الظروف المحيطة بهم، وبفعل الخصوصيات التربوية والاجتماعية التي نشأوا فيها وتربوا من خلالها، فإذا كان السلوك المنحرف الذي أقدم عليه الشباب قد جاء نتيجة التأثير الذي مارسته البيئة الاجتماعية في شخصيته، فإن من مهام عملية الإصلاح والتأهيل تمكين الشباب من التفاعل مع الظروف المحيطة بهم، والتغلب عليها، من خلال تزويدهم بالمهارات والقدرات التي تمكنهم من التفاعل الإيجابي والفعال مع هذه الظروف، وبذلك تنطلق عملية التأهيل والإصلاح الاجتماعي للأحداث الجانحين من فلسفة اجتماعية تفسر علاقة الفرد مع البيئة المحيطة به بطبيعة المهارات والكفاءات التي يتصف بها، والتي قد تميزه عن غيره من الأفراد، فكل حدث يجابهه الفرد في حياته إنما يتطلب مستوى محدد من المهارات التي تمكنه من التفاعل الإيجابي والفعال مع هذا الحدث، كما هو الحال عندما توضع أما الطالب مسألة في العلوم الرياضية التي تتطلب مستوى مكافئ من المهارات والقدرات العقلية، فإن لم يتمتع بهذا المستوى المطلوب فإن طريقة معالجته للمسألة ستكون خاطئة حتى مع تعدد المحاولات التي يقدم عليها، أما إذا كانت مؤهلاته ومهاراته تفوق في طبيعتها ما تطلبه المسألة الرياضية، فإن معالجته للمسالة ستبدو يسيرة إلى الحد الذي لا يجد فيه أية صعوبة، وإذا ما اكتشف المعلم جوانب مختلفة من القصور في الكفاءات والمهارات لدى الطالب، فإن وظيفته الأساسية تزويده بهذه المهارات، وتمكينه من استخدامها بالشكل الذي تصبح فيه معالجة المسألة يسيرة أيضاً.
وينطبق الأمر تمام الانطباع على المسائل والمشكلات التي تجابه الفرد في حياته، فضعف المهارات وتدني الكفاءات التي يتصف بها تجعله في كثير من الأحيان غير قادر على التفاعل الإيجابي مع المشكلات التي تجابهه، مما يجعله ينجرف مع نصائح أقرانه الذين تنقصهم الخبرة والكفاءة أيضاً فتأتي معالجته لمشكلاته، وكذلك معالجة أقرانه لمشكلاتهم منقوصة، وتدفعهم إلى الإقدام على ممارسة أنماط سلوكية تسيء إلى الآخرين، وتلحق الضرر والأذى بهم، وفي ذلك تكمن أهمية الأخصائي الاجتماعي أو المرشد الاجتماعي في المؤسسات الإصلاحية، إذ تقتضي الضرورة أن يكتشف أولاً جوانب القصور في البعد الاجتماعي من شخصيته، ومن ثم العمل على تزويده بالكفاءات والمهارات التي تساعده في اتخاذ قراراته بطريقة أفضل، وتمكنه من معالجة مشكلاته بالطريقة التي تتعزز من خلالها علاقاته الاجتماعية مع أقرانه، ومع الجوار ومع الآخرين بصورة عامة.
وعلى الرغم من أهمية الطرق التقليدية في عمليات الإصلاح وإعادة التأهيل المتمثلة بالوعظ والتوجيه الديني والأخلاقي، غير أن تطور الحياة الاجتماعية وتعدد العوامل التي تقود إلى الانحراف جعل عملية الإصلاح علماُ قائماً بحد ذاته، تنمو نظرياته من خلال التجريب والبحث والمتابعة، وقد ثبت من الناحية العلمية أن ما يناسب شريحة من الشباب في عملية الإصلاح والتأهيل لا يناسب بالضرورة شريحة أخرى، والفئات التي تصبح أكثر قدرة على التحكم بسلوكها بفضل هذه الطريقة أو تلك قد لا تناسبها أبداً طريقة أخرى ربما يلجأ إليها المرشد في سياق معالجة أخرى، ولهذا يأخذ الباحثون في العلوم الاجتماعية بالتأكيد على أن لكل نمط من أنماط الانحراف الاجتماعي، طريقته التي تناسبه في عمليتي التأهيل والإصلاح، كما أن لكل شخصية منحرفة الطريقة التي تناسبها في عملية التأهيل، ولهذا باتت عملية التأهيل علما قائما بحد ذاته، يتطلب الكثير من المهارات والكفاءات التي ينبغي تعلمها واكتسابها.
لقد شهدت معاملة الأحداث الجانحين أشكالاً مختلفة عبر تاريخها الإنساني، ارتبطت بالفلسفات الاجتماعية السائدة بصورة عامة، وبالتصورات المتداولة لطبيعة الإنسان والمجتمع، كما أنها تشهد اليوم أساليب مختلفة وعديدة، ترتبط بدورها بمستويات التطور الاجتماعي والثقافي للمجتمعات الإنسانية، من جهة، وبالخصوصيات الثقافية والحضارية لكل مجتمع، كما يمكن تصنيف أساليب التعامل مع الأحداث بحسب الخصوصيات العقلية والإدراكية التي تميز كل منهم، وبحسب اشكال الانحراف التي أقدموا على ممارستها، وبحسب الشروط المكانية والزمانية التي يعيش فيها الأحداث المنحرفون، فتشكل أساليب العمل مع الأحداث محوراً أساسياً من محاور المقرر التي ينبغي وضعها قيد الحوار والمناقشة.
كما يتضمن المقرر تعريفاً بمفهوم تأهيل الأحداث وتمييزه عن مفاهيم تقع في دائرته، مثل ماهية الحدث، وماهية الانحراف، وماهية التأهيل وأنواعه وأشكاله، خاصة وأن عملية التأهيل تأخذ بدورها أشكالاً عديدة سبقت الإشارة إليها، والتأهيل الاجتماعي للحدث مفهوم يختلف عن مفهوم التدريب، مع أن كلاهما يقوم على تزويد الحدث أو المتدرب بمهارات وقدرات تتوافق مع الهدف المنشود من عملية التأهيل أو التدريب، غير أنهما يختلفان في أن مفهوم التدريب يستخدم لتزويد الفرد الذي لم يسبق له أن ارتكب فعلاً يمس حقوق الآخرين، ويسيء إليهم، بمهارات وقدرات تمكنه من تحسين أدائه في المجال الذي يتدرب عليه، بينما يراد بتأهيل الأحداث هو تزويدهم بالمهارات التي تصحح وضعهم الاجتماعي لما ينطوي عليه من خلل في بنية العلاقة بين الفرد والمجتمع، والحدث هنا أشبه ما يكون بالمريض الذي اصابته علة فجعلته غير قادر على التفاعل مع البيئة الاجتماعية تفاعلاً إيجابياً، ولا ينطبق هذا الأمر على المتدرب بالضرورة.
وفي المحور الثالث من محاور المقرر تتم الإشارة إلى أن عملية التأهيل والإصلاح الاجتماعي للأحداث الجانحين إنما تتم في العادة في سياق عملية تنفيذ الجزاء الجنائي على الأحداث، فمع ارتكاب الحدث للفعل المخالف للقانون، توجب هذه القوانين فرض عقوبات عليه تناسب مستوى الانحراف الذي أقدم عليه، وفي سياق تنفيذ العقوبة تأتي عملية التأهيل والإصلاح، وفي ذلك تكمن خصوصياتها، وما تختلف فيه عن الأنماط الأخرى التي يراد منها تزويد الشباب بالمهارات والكفاءات المطلوبة، كما هو الحال في عمليات التعليم والتدريب.
وفي المحور الرابع شرح لأهم الطرق التي يلجأ إليها المختصون لتعديل السلوك، فعملية التأهيل والإصلاح الاجتماعي لا بد أن تؤدي من حيث النتيجة إلى تغيير الأنماط السلوكية التي يقدم عليها الأحداث المنحرفون، فإذا ما تم تزويدهم بالمعارف والمهارات والكفاءات المطلوبة، فمن الطبيعي أن تصبح طريقة تفاعلهم مع الأحداث المحيطة بهم مختلفة عما كانت عليه قبل عملية التأهيل، وغالباً ما يلجأ الباحثون إلى طرق علاجية مختلفة بحسب الخصوصيات التي تميز كل حالة، وتصف شروطها، ولا بد في هذا السياق من التمييز بين مجموعة من المفاهيم المتقاربة مع بعضها، والتي تبدو متشابهة في كثير من الأحيان كما هو الحال في مفاهيم أساليب العمل مع الأحداث، طرق العلاج، طرق التأهيل، أنواع التأهيل وغير ذلك من المفاهيم التي يقدمها المقرر.
وتأخذ المحاور الخامس والسادس والسابع بتوصيف آليات العمل في تأهيل الأحداث كما هي في المملكة العربية السعودية، من حيث تطور عملية التأهيل، وماهية دور تأهيل الأحداث في المملكة، بالإضافة إلى نماذج من عمليات تأهيل الأحداث المطبقة في محاكمها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق