المدخل الاجتماعي في عملية الإرشاد

تأخذ عملية الإرشاد والتوجيه مسارات عديدة، منها ما يرتبط بنظريات علم النفس وتطبيقاته المختلفة، ومنها ما يرتبط بدراسات علم الاجتماع ومجالاته المتعددة، غير أن مداخل علم النفس تعد الأقدم تاريخياً، والأكثر تطبيقاً لنظرياتها، بينما تأتي تطبيقات علم الاجتماع لتكشف عن مواطن الضعف التي توصف بها مداخل الدراسات النفسية، ومن حيث النتيجة بات الرأي الأكثر استقراراً أن عملية الإرشاد والتوجيه عملية متكاملة ليس من اليسير فصل أي جانب من جوانبها عن الأخر، ففي كل لحظة من لحظات حياته تعد شخصية الفرد نتاجاً كليا لتفاعل الذات مع البيئة المحيطة بها، وهي ليست بنية ثابتة ومستقرة تتفاعل مع المحيط بطريقة واحدة خلال مساراتها المختلفة، إنما تخضع للتغير تبعاً لتغير المحيط نفسه، وتبعاً للعوامل المؤثرة فيه.
ويقدم الباحثون في علم الاجتماع رؤى عديدة ونظريات مختلفة حول كيفية تأثير البيئة الاجتماعية المحيطة بشخصية الفرد وكيفية إسهامها في تغيير الكثير من اتجاهاته وعواطفه ومشاعره نحو القضايا التي يعيش فيها ويفكر بها، وتمتزج في هذه الرؤى الأبعاد النفسية والاجتماعية على حد سواء، فتغلب على بعضها الأبعاد النفسية، أو النفسية الاجتماعية، وتغلب على بعضها الآخر الأبعاد الاجتماعية والاجتماعية الثقافية، وعلى الرغم من ذلك فإنها تنتظم في بنى فكرية متمايزة عن بعضها بعضاً، حتى تصبح الرؤية الواحدة مبنية على نظرية تحليلية متكاملة.
وعلى الرغم من تنوع المداخل الاجتماعية في عملية الإرشاد والتوجيه إلا أنها تشترك أيضاً في تحليليها لعناصر  البيئة الاجتماعية الأساسية التي تحتضن الفرد وتحيط به، فما من رؤية علمية تأخذ بدراسة مسارات الإرشاد إلا وتتناول قضايا الأسرة وجماعات الأقران، والمدرسة ودور العبادة، المسجد في المجتمع الإسلامي، والكنسية في المجتمعات المسيحية وغيرها، ومن ثم وسائل الاتصال، والمؤسسات الثقافية وكل البنى التي تشكل عناصر أساسية في البناء الاجتماعي، غير أن طريقة التحليل، وكيفية النظر إلى هذه المكونات تختلف باختلاف الرؤى العلمية والتحليلية التي يعتمدها الباحثون.
في ضوء هذا التصور تتوزع موضوعات المقرر في خمسة محاور أساسية يتناول المحور الأول التعريف بالمدخل الاجتماعي في عملية الإرشاد والتوجيه وتميزه عن المدخل النفسي، بينما يبحث المحور الثاني في المداخل النظرية لعملية الإرشاد، والتي تتنوع بدرجة كبيرة، لكن الأكثر انتشاراً هي المرتبطة بنظريات المحاكاة لتارد، والتعاضد الاجتماعي لدركهايم، والاختلاط التفاضلي والتعليم الاجتماعي ونظرية الفعل الاجتماعي، والأهداف الثقافية والنظريات البيئية وغيرها، وعلى الرغم من أن أدبيات علم الاجتماع تنطوي على نظريات أكثر غنى غير أن هذه تعد بمثابة نظريات أساسية في هذا المجال.
ويأخذ المحور الثالث بدراسة الأطر الاجتماعية المحددة للسلوك الإنساني عامة، والسلوك المنحرف بشكل خاص، وتتدرج هذه الأطر من الظروف الأسرية التي يعيشها الفرد، وجماعات الأقران، والظروف المدرسية ودور العبادة ووسائل الاتصال الحديثة وغير من العوامل من المجتمعية العامة التي تؤثر بشكل فعال في أنماط السلوك واشكال الانحراف الاجتماعيين.
أما المحور الرابع فيخص مضامين برامج التوجيه والإرشاد، وذلك على مستوى كل المحددات الاجتماعية للسلوك، كما هو الحال على مستوى الأسرة والفعاليات الاجتماعية والمؤسسات التعليمية، والمؤسسات القضائية، والمؤسسات الثقافية ووسائل الاتصال وغيرها مما له صلة في عملية التغيير.
وأخير المحور الخامس الذي يتناول موضوع الإرشاد والتوجيه في مجال التطرف الديني من منظور نظرية التماسك الاجتماعي بوصفه نموذجاً من نماذج عملية الإرشاد وكيفية البحث في صياغة أولويات العملية الإرشادية في هذه المجال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق